محمد عطية
البعض تافه في فكره ..
فى طرحه ..
في تعقيبه ..
حتى في ” تميلحه ”
نعم أصبحت التفاهة كنز عند البعض يحافظون عليه بكل الطرق و الوسائل و يطلقون العنان لتأكيد دورهم في نشر وباء العصر و لا يوجد لديهم سلاح أخر غير التفاهة لإثبات وجودهم في المجتمع. لا أتوقع أنهم يعرفون معنى التفاهة في اللغة العربية، فدعونا نتأمل معاً معاني هذه الكلمة.
حسب معجم المعاني الجامع تعني التفاهة نقص في الأصالة أو الإبداع أو القيمة. كما تعني إنعدام الأهمية و الحقارة و الدناءة. أخشى ما أخشاه أننا أصبحنا في عصر ثقافة التفاهة و التفنن بها. وجدت التفاهة فرصتها العظيمة عبر شبكات التواصل الإجتماعي و كالأخطبوط تمد أذرعها في كل مكان لتشوّش على التميز و الإبداع، و تحيل المشاعر النبيلة إلى لذّات و شهوات. فيصبح الحب جنس و المساعدة و الرحمة غباء و سذاجة.
يحاول التافهون الذين خرجوا من عمق مياههم الراكدة المليئة بالفيروسات و الجراثيم الفكرية، بث سمومهم في جسد المجتمع و إصابته بالأمراض الثقافية و الوجدانية التي يكون تساقط الأخلاق رويدا رويدا من أعراضها القاتلة السامة.
كما يقال الأحمق عدو نفسه و كذلك الإنسان التافه، فهو يبحث دائما عن شماعة يعلق عليها فشله و سقوطه الأخلاقي و فراغه الفكري. إذ يشعر التافه بعقدة النقص و يعاني من الدونية لذلك يجد وسيلة للخروج من هذا البئس باختلاق قضية وهمية يعلق عليها فشله و يستمر في الكذب على نفسه في طريق اللاعودة. كيف يعبر التافه عن نفسه
وظيفة التافه إلغاء جمال كل ما هو جميل، التقليل من أهمية القضايا المصيرية اليومية على الصعيد الخاص و العام، جز نفسه في أمور لا يفقه فيها شيئا و يطرح رأيه دون سابق علم أو قراءة أو اقتناء أي معلومات عن الموضوع…أي أن الأمر لا يتعدى التفلسف. تجده يتحفنا بموضوعات خالية من أي فائدة تُذكر. منشورات سخيفة تُطلق علينا كالصواريخ من كل حدب و صوب.
ما يثير حفيظتي و أحيانا غضبي عندما يتناول التافه أموراً في غاية الحساسية كالعلاقة الجنسية مثلا أو كل ما يتعلق بهذا الأمر فيكون أسلوبه بذيء إلى حد القرف خالي من أي ذوق أخلاقي ليجر معه قطيع لا بأس به ممن يصفق له و تكاد تسمع ضحكاتهم المبتذلة من التعليقات. *** التفاهة والشباب
لسْتُ أتَكَلَّم هنا عما يُمكن أن يقولَه علماءُ الشرْع في تحريم تَشَبُّه المسلم بغَيْر المسلم في حق أولئك الشباب، أو تحريم التشَبُّه والتبَرُّج في حقِّ أولئك الفتيات مع أهميته، لكن أتَكَلَّمُ هنا عن قضية مهمَّة من جانب آخر، وهي: لماذا لا يَسأَلُ هؤلاءِ الشباب والفتيات أنفسهم وأنفسهن: لماذا يفعلون ويفعلْنَ هذا الأمر؟
إسال نفسك لماذا أُصَفِّف شعر رأسي بالطريقة التي يستعملها شاب آخر، أو تستعملها فتاة في بلد آخر؟!
ما الذي يحملني ألبس بنطالاً ضيِّقًا (مُشَجَّرًا)، خارجًا على رسْم ملابس الرجال، تمُجُّه كلُّ الأذواق السليمة في الشرْق والغرب، لا لشيء ولا لمعنى سِوى أنَّ تافهًا من الغرب ظَهَر به في فيلم، أو أغنية، أو مسلسل؟
لماذا يستولي الاهتمام بمظهري على شخصيتي، ولَم أحرصْ على أن أكون متابعًا في قصِّ شِعْري ونوع بنطالي وقميصي، بل وحذائي
لا أعرف شابًّا مُتَفَوِّقًا في دراسته، لديه أحلامٌ في بناء مستقبله أو مستقبل أمتِه، هَمُّه متابَعة الجديد في المُوضَات الغربية أولاً بأول؛ بحيث لا تفوتُه منها واحدةٌ، ولا يمشي في طريق من طُرُق مدينته إلاَّ وهو مُلفِتٌ النَّظَر إليه بمظهره وملبسه المخالِف لِمَظْهر مَن حوله. *** علاج التفاهة
1- إعادة تربية أبنائِنا وفتياتنا على الثِّقة بأنفسهم، والاعتزاز بذواتهم، بعد الثقة بربِّهم، والاعتزاز بدينهم، وأن يكونَ مصدرُ فخْرهم هو ما يُقَدِّمونه لأمَّتِهم وأنفسهم من إنْجازات، لا أن يعيشوا هكذا بلا قضيَّة ولا معنى، سِوى ما يلبسونه أو يأكلونه
2- التجاهل التام لكل ما هو تافه
وجب علينا محاربة التفاهة في كل صورها و عدم إعطاء أصحابها أدنى أهمية لنقضي على الإسفاف و التتفيه كسلوك ينعم بالرواج. لنحارب التافه بالموضوعات ذات الأهمية الأخلاقية و العلمية و النفسية لعل سهم كلمة من أحدهم تصيبه في الصميم و يتبدل حاله. فلا حياة مع التفاهة و لا تفاهة مع الحياة.